تحقيق النجاح بالسرعة المناسبة
أثناء حضوري لورشة عمل قيادية في الأسبوع الماضي استوقفتني مقولة بسيطة وجعلتني أمعن التفكير فيها حيث قال المقدم: “لا تركض أبدًا بسرعة أكبر مما تستطيع المشي”، وعلى الرغم من أنني كنت قد سمعت هذه الحكمة من قبل، إلا أنها شعلت شرارة من الأفكار في ذهني وجعلتني أفكر في كيفية تطبيق هذه الفكرة بالفعل على النمو في وظائفنا وحياتنا بشكل عام.
يذكرنا هذا القول بحقيقة أن النمو ببطء وثبات هو في كثير من الأحيان أفضل طريقة للنمو. ويذكرنا كذلك أنه في عالمنا، حيث يبدو الجميع في عجلة من أمرهم، بأهمية أخذ الوقت الكافي في جميع الأمور. القوة الحقيقية والنجاح لا يأتيان أبدًا من العجلة؛ بل يأتيان من التأكد مما نفعله ومن منحه الوقت الذي يحتاجه للنضوج.
من الطبيعي أن نحاول التقدم بسرعة ويشغل ذلك الأمر مساحة كبيرة عند التفكير في مسيرتنا المهنية. ولكن الحياة المهنية الأقوى تُبنى ببطء وتروي، على قاعدة صلبة من المهارات والخبرة والمعرفة التي لا تأتي بين ليلة وضحاها بل يتعلق الأمر بالإلمام بكل جزء من وظائفنا جيدًا قبل الانتقال إلى التحدي التالي، مع التأكد من أننا مستعدون حقًا لما بعد ذلك.
يتوجب علينا أن ندرك حقيقة أن الحياة المهنية ما هي الا رحلة طويلة وليست سباق فورمولا وهذا الادراك يساهم بشكل كبير في تغيير كيفية نظرنا لوظائفنا مما يشجعنا على الاستمتاع والتعلم من كل خطوة نخطيها في هذا الطريق ويذكرنا بأهمية الصبر والمضي قدمًا مهما كانت الظروف. غالبا ما يؤدي التحلي بتلك الصفات إلى النجاح في النهاية حتى وإن طالت المدة.
عدم التسرع يعني أيضًا أنه يمكننا التعامل مع التحديات بشكل أفضل وتغيير الاتجاه بسهولة أكبر عند الحاجة. ومن خلال التحرك بالوتيرة التي تناسبنا، نكون مستعدين بشكل أفضل للتعامل مع أي مفاجأة قد يفرضها عملنا. عادة ما تأتي الثقة بالنفس من الاستعداد الصحيح لما هو قادم.
لا يمكننا في هذه الرحلة أن نغفل عن أهمية التأمل. أخذ الوقت الكافي للتفكير في تجاربنا يسمح لنا بتبني الدروس المستفادة وتطبيقها على التحديات المستقبلية. مثل هذه اللحظات الهادئة من التأمل تزرع بداخلنا بذور الحكمة، مما يمكّننا من اتخاذ قرارات مدروسة تساعدنا في تكييف استراتيجياتنا بمرونة.
علاوة على ذلك، فإن تبني القدرة على التكيف أمر بالغ الأهمية. قد تتغير الوتيرة التي نسير بها في مسارنا بناءً على ما هو قادم. كوننا متكيفين يعني أننا نعلم تمامًا متى يجب علينا خفض سرعاتنا من اجل التنقل الدقيق عبر التحديات أو متى يكون من الآمن الحركة بأقصى سرعة. يتعلق الأمر هنا بتناغم وتيرتنا مع إيقاع بيئتنا، مع التأكد من أننا نتحرك بتناغم مع التغييرات الديناميكية في وظائفنا وفي حياتنا الشخصية.
تعود بي الذاكرة هنا لذلك الوقت عندما انتقلت فيه إلى قسم جديد. في البداية، كان خوفي من البدء من الصفر كبيرًا، خاصة أنني كنت حينها العضو الأحدث في الفريق الذي لا يعرف سوى القليل عن مهام القسم. ومع ذلك، سرعان ما اكتشفت أن هذا لم يكن صحيحًا تماما. الخبرة والمهارات التي اكتسبتها في قسمي السابق لم تختف؛ بل كانت هي الأساس الصلب الذي بنيت عليه. أخرجني هذا الإدراك من دوامة الخوف من الفشل وأثبت لي أن تجاربي السابقة، على الرغم من كونها في سياق مختلف، كانت لا تُقدر بثمن ومنحتني القدرة للرؤية من منظورات مختلفة وأكسبتني مهارة حل المشكلات التي ساعدتني على التأقلم بشكل أسرع في تلك البيئة الجديدة.
تحول هذا التحدي إلى فرصة نمو قيمة. لا أنكر انني كنت محظوظًا بوجود زملاء قدموا لي كل الدعم اللازم، مما سمح لي بالاندماج سريعًا في إيقاع الفريق. كانت إرشاداتهم مهمة جدا في رحلتي وفي وقت قصير، وجدت نفسي لا أتكيف فحسب بل أواصل التقدم لأصبح في النهاية أحد أولئك الذين يقومون بإرشاد الوافدين الجدد. إن متعة رد الجميل وتوجيه الآخرين، كما تم توجيهي ذات مرة، أضافت بُعدًا جديدًا لمسيرتي. عززت تلك التجربة فكرة أن تبني وتيرة رحلتنا الفريدة، بدعم من الإيقاع الجماعي لمن هم حولنا، يؤدي إلى النجاح الكبير.
في الختام، النمو الوظيفي ليس سباقًا؛ بل هو ماراثون. ينجح فيه أولئك الذين يدركون أهمية التقدم الثابت ويعلمون أن عملية بناء المهارات الأساسية والخبرات العظيمة يتم بهدوء يومًا بعد يوم. يقدر مثل أولئك القادة قوة النمو التدريجي، مدركين أن كل خطوة، مهما كانت صغيرة، تقربهم أكثر من أهدافهم النهائية. تذكرنا الحكمة بعدم “الجري أسرع مما يمكننا المشي” وتخبرنا أن التميز الحقيقي يأتي من التقدم بتفكير وثبات، لا من محاولة مصارعة الوقت. ونحن نتقدم في مسيرتنا المهنية، دعونا نحفظ هذه الحكمة في أذهاننا فمن المؤكد أنها ستساعدنا في بناء مستقبلنا على أرض صلبة، خطوة بخطوة بعناية مع الاستعداد دومًا للتكيف اثناء رحلتنا نحو النضج المهني والشخصي.