رأي

الحوكمة السيبرانية تبدأ من القمة: قرار قيادي لا شأن تقني

الحوكمة السيبرانية ليست خيارًا... إنها قرار قيادي

في عصر تتسارع فيه التحولات الرقمية وتتزايد التهديدات السيبرانية، لم يعد الأمن السيبراني مجرد مسألة تقنية تُفوّض إلى الإدارات المتخصصة، بل أصبح ركيزة استراتيجية ترتبط ارتباطًا وثيقًا بسمعة المنشأة، واستمرارية أعمالها، وثقة عملائها.
ومن خلال قيادتي لعدة مبادرات في حوكمة الأمن السيبراني داخل مؤسسات محلية ودولية، تبيّن لي أن الفارق الحقيقي لا تصنعه الأدوات، بل تصوغه القرارات الاستراتيجية الصادرة من القمة.

أبعد من الامتثال
وضعت الجهات التنظيمية في المملكة — وعلى رأسها الهيئة الوطنية للأمن السيبراني والبنك المركزي السعودي — أطرًا متقدمة للامتثال. إلا أن الاكتفاء بالحد الأدنى من هذه المتطلبات لا يقي من التهديدات المتقدمة، ولا يمكّن المنشآت من تحويل الأمن السيبراني إلى ميزة تنافسية.
فالمنشآت التي تتعامل مع الأمن السيبراني كأداة تمكين، لا كعبء تشغيلي، هي التي تنجح في دمجه في نموذج الأعمال، وربطه مباشرة بالحوكمة المؤسسية، وتقييم الأداء، وخطط النمو.

القادة أولاً: دور القيادة ومجالس الإدارة
تبدأ الحوكمة السيبرانية الفاعلة حين تُطرح أسئلتها على طاولة المجلس التنفيذي بنفس الجدية التي تُناقش بها موضوعات الربحية والنمو. وهنا تبرز مسؤوليات القيادة في:
تحديد شهية المخاطر السيبرانية وتحديثها باستمرار.
دمج الأمن السيبراني في قرارات التوسع، التحول الرقمي، والاستحواذ.
ترسيخ ثقافة مؤسسية واعية بالمخاطر الرقمية تبدأ من الأعلى.
طلب تقارير دورية حول مستوى النضج، والجاهزية، والسيناريوهات المحتملة.

النتائج تبدأ من الالتزام
من خلال تجارب ميدانية خضتها، فإن التزام القيادة العليا بتفعيل الحوكمة السيبرانية أفضى إلى نتائج استراتيجية ملموسة:
تقليص زمن الاستجابة للحوادث من أيام إلى ساعات.
تقليل الثغرات التشغيلية نتيجة وضوح الأدوار والمسؤوليات.
تعزيز الثقة لدى الجهات الرقابية والمستثمرين.
هذه ليست نتائج تقنية، بل مؤشرات أداء قيادية، تنبع من تبنٍ واعٍ للأمن السيبراني في صميم استراتيجية المنشأة.

أدوات عملية لمجالس الإدارة
من أبرز الأدوات التي تعزز الحوكمة السيبرانية على مستوى المجلس:
حقيبة أدوات الأمن السيبراني للمجالس الإدارية
(Cyber Security Toolkit for Boards)
أصدرها المركز الوطني للأمن السيبراني في المملكة المتحدة (NCSC)، وتُعد مرجعًا عمليًا لمجالس الإدارة، حيث تقدّم:
تسعة محاور رئيسية تشمل فهم التهديدات، إدارة المخاطر، سلاسل التوريد، وخطط الاستجابة.
نماذج وأسئلة تفاعلية تدعم التقييم والمساءلة الفعالة.
تعزيز ثقافة مؤسسية تبدأ من القيادة العليا وتمتد عبر المنظمة.
للاطلاع: NCSC Toolkit

الخلاصة: القيادة السيبرانية ضرورة لا ترف
إذا كنت في موقع قيادي، فاعلم أن الأمن السيبراني لم يعد مسؤولية تقنية معزولة، بل جزء من مسؤولياتك الاستراتيجية.
إما أن تتعامل منشأتك مع التهديدات الرقمية كعامل حتمي في معادلة الاستدامة والتميّز، أو أن تجد نفسها في موقع رد الفعل، بينما يسبقها المنافسون بخطى واثقة يقودها أمن سيبراني مُحكم.
الحوكمة السيبرانية ليست خيارًا… إنها قرار قيادي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى