يشهد اقتصاد الابتكار التقني في المملكة العربية السعودية نمواً متسارعاً، مدفوعاً برؤية 2030 التي تهدف إلى تنويع الاقتصاد والتحول الرقمي وتمكين القطاع الخاص والعام رقمياً. ومع ذلك، لا يزال الإطار التنظيمي الحالي غير متوافق مع تعقيدات وسرعة منظومة الشركات التقنية الناشئة. فهذه الشركات تُدار حالياً إلى جانب المنشآت التقليدية تحت مظلة الهيئة العامة للمنشآت الصغيرة والمتوسطة (منشآت)، ، وهو ما يغفل حقيقة جوهرية: الشركات التقنية الناشئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية هما عالمان ونموذجين عمل وعقليتان مختلفتان تماماً.
لكل منهما احتياجات مختلفة، ومخاطر متنوعة، ونماذج تمويل متباينة، ومسارات نمو غير متشابهة. إن التعامل معهما كفئة واحدة يشتت الجهود ويُضعف فعالية السياسات والتمويل والبنية التحتية المصممة لدعم نموهما، ويهدد بتباطؤ القطاعات الموظفة للتقنية التي تشكل مستقبل الاقتصاد الوطني.
الشركات التقنية الناشئة (Tech Startups) هي كيانات ريادية حديثة التأسيس تُبنى على ابتكار تقني لمعالجة مشكلة أو حل رقمي جديد لمعاناة قائمة، وتركّز منذ البداية على اختبار نموذج أعمال تقني قابل للتوسع السريع محليًا وعالميًا. تعمل هذه الشركات عادةً في بيئة عالية المخاطر وعدم اليقين، حيث لا يكون الهدف تحقيق أرباح مستقرة على المدى القصير، بل تحقيق نمو متسارع وبناء أسواق جديدة أو إحداث تغيير جذري ومزعزع في أسواق تقليدية قائمة. وهي بطبيعتها قائمة على الابتكار التقني من خلال تطبيق او منصة او موقع شبكي او منتج رفمي، والتجريب المستمر، والتفكير بالعالمية منذ اليوم الأول، مع اعتماد جوهري على التكنولوجيا كعنصر أساسي للانتشار السريع وخفض التكاليف التشغيلية.
وعلى النقيض، فإن المشاريع الصغيرة والمتوسطة التقليدية (SMEs) غالبًا ما تُبنى على نماذج أعمال مجرّبة أو منسوخة من السوق (مثل مطاعم، مقاهٍ، محلات تجارية أو خدمات تقليدية)، وتركّز على تلبية احتياجات محلية أو مناطقية محدودة. هدفها الرئيسي هو الاستقرار والربحية المبكرة، وهوامش نموّها تكون محدودة مقارنة بالشركات التقنية الناشئة التي تسعى للتوسع السريع محليا و عالميًا وإحداث ابتكار جذري مزعزع.
1 – السياق الإستراتيجي
تُعد الشركات التقنية الناشئة عنصراً محورياً في طموح المملكة لتصبح مركزاً إقليمياً للابتكار. فهي تخلق وظائف عالية القيمة، وتجذب الاستثمارات العالمية، وتُسهم في التحول القطاعي. ومع ذلك، لا تزال تُدار ضمن إطار تنظيمي مصمم للمنشآت التقليدية التي تركز على الاستقرار التشغيلي، والملاءمة للسوق المحلي، والتمويل القائم على الأصول.
أما الشركات التقنية الناشئة، فتعمل في قطاعات سريعة التغير، وغالباً غير منظمة. وتعتمد على أصول غير ملموسة مثل البرامج والملكية الفكرية والبيانات، وتحتاج إلى تمويل قائم على المستثمرين، وتطوير منتجات وخدمات رقمية بشكل مستمر. كما تتطلب بيئة تنظيمية مرنة، ودعماً متخصصاً، ومسارات وصول إلى الأسواق العالمية.
إن دمج النموذجين في إطار تنظيمي واحد يُضعف فعالية السياسات الوطنية للنموذجين، ويحد من قدرة المملكة على الاستفادة من إمكاناتها التقنية. المتزايدة باستمرار
2 – توضيح هام حول دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية
أود التأكيد على أنني لا أعارض دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية (SMEs)، فهي تشكل جزءاً أساسياً من الاقتصاد الوطني والناتج المحلي الاجمالي وتساهم في توفير فرص عمل وتحفيز التنمية المحلية. دعم هذه المنشآت وتحسين بيئة عملها هو أمر ضروري ومطلوب بشدة.
لكن التحدي يكمن في دمج الشركات التقنية الناشئة مع المنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية في إطار تنظيمي وإداري موحد. هذا الدمج يؤدي إلى تداخل في الأهداف وتشتيت للجهود، وغياب التخصص، وضعف نوعية الاستجابة السياسات لاحتياجات كل فئة على حدة.
الشركات التقنية الناشئة تتميز بخصوصيات فريدة ومتطلبات مختلفة كلياً عن المنشآت التقليدية، وتتطلب نهجاً مخصصاً ومستقلاً في الدعم والتنظيم والتطوير والتمويل.والسياسات. ولذلك، فإن إنشاء هيئة وطنية مستقلة كليا مخصصة للشركات التقنية الناشئة لا يقلل من أهمية دعم المنشآت الصغيرة والمتوسطة، بل يعزز من فرص نمو كل منهما بشكل فعال ومنفصل.
3 – التباين الهيكلي والتشغيلي والتنظيمي بين الشركات التقنية الناشئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية
ادناه نسرد اهم عناصر التباين والاختلاف بين شركات التقنية الناشئة والمنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية التي تؤكد على مدى أهمية ومنطقية وجود هيئتين متخصصتين تدعم بقوة أهمية الفصل بينهما واستقلاليتها لرفع مستوى الخدمة والقيمة لكلا الطرفين. للإحاطة العناصر ادناه هي جزء عن ما يزيد عن أربعين (40) عنصر تباين وفروقات واضحة بين القطاعين:-
الشركات التقنية الناشئة | عنصر التباين | المنشآت الصغيرة والمتوسطة التقليدية | |
---|---|---|---|
تتميز بنمو تحولي سريع ومتضاعف يعكس قدرة على التوسع السريع والتكيف مع فرص السوق المتغيرة. | مسار النمو | نمو خطي وتدريجي يعتمد على استقرار العمليات والأسواق المحلية، مما يؤدي إلى توسع بطيء. | 1 |
تعتمد على تمويل رأس المال الجريء والاستثمار مقابل الأسهم، مما يسمح بتحقيق نمو عالي المخاطر مع فرص ربح عالية. | نموذج التمويل | تعتمد على التمويل التقليدي بالديون والقروض المصرفية التي تتطلب ضمانات وأصول ملموسة، مع مخاطر أقل وربحية مستقرة. | 2 |
تحتاج إلى إطار تنظيمي مرن يسمح بالتجريب والابتكار ويواكب طبيعة أعمالها المتغيرة بسرعة. | المتطلبات التنظيمية | تخضع لأنظمة تنظيمية واضحة ومستقرة توفر بيئة تشغيل مستقرة ومتوقعة. | 3 |
ابتكار سريع ومتكرر يركز على تطوير مميزات أو خدمات جديدة باستمرار، ما يعزز القدرة التنافسية. | دورة الابتكار | نماذج عمل مستنسخة بابتكار محدود وبطيء يعتمد على تحسينات تدريجية في المنتجات أو العمليات. | 4 |
غالبًا ما تؤجل الإيرادات والارباح حتى تحقيق قاعدة مستخدمين كبيرة أو النمو أولاً، ثم تبدأ بتحقيق إيرادات كبيرة. | نموذج الإيرادات | تعتمد على إيرادات فورية عبر المبيعات المباشرة أو تقديم الخدمات. | 5 |
قدرة عالية على التكيف مع التغيرات السريعة في السوق والتكنولوجيا بفضل مرونة الهيكل التنظيمي. | المرونة التنظيمية | مرونة منخفضة وصعوبة في التكيف مع التغيرات بسبب البيروقراطية والهيكل التقليدي. | 6 |
توظيف التقنية هي المنتج أو المحرك الأساسي للنمو والابتكار. | دور التقنية | التقنية تلعب دورًا داعمًا لتسهيل العمليات وليس مركزياً في المنتج أو الخدمة. | 7 |
غالبًا ما تتحدى القواعد التنظيمية القائمة بسبب طبيعة الابتكار والسرعة في النمو. | الملاءمة التنظيمية | تعمل ضمن إطار تنظيمي متوافق مع القوانين والمعايير التقليدية القائمة. | 8 |
يقاس النجاح بالنمو السريع والتوسع، وعدد المستخدمين، وجذب الاستثمارات. | مؤشرات النجاح | النجاح يقاس بالربحية، والاستقرار المالي، ورضا العملاء. | 9 |
لديها قدرة عالية على التوسع الرقمي والسريع عبر الأسواق المختلفة دون الحاجة لوجود مادي. | قابلية التوسع | التوسع محدود جغرافيًا ويحتاج إلى بنية مادية (فروع، معدات، مخزون). | 10 |
ثقافة ديناميكية ومرنة قائمة على التجريب، التعلم السريع، وفرق عمل مرنة متعددة المهام | ثقافة العمل والهيكل التشغيلي | ثقافة محافظة تقليدية، هرمية، تعتمد على الانضباط والإجراءات الرسمية. | 11 |
اتخاذ قرارات سريعة مستند إلى بيانات وتحليلات وتجارب مستمرة وملاحظات العملاء | نمط اتخاذ القرار | قرارات بطيئة، هرمية، تعتمد على الخبرة والإجراءات الرسمية الداخلية | 12 |
حوكمة مرنة وقريبة من المؤسس والفريق المؤسس تسمح بالابتكار والتحرك السريع. | نمط الحوكمة | حوكمة تقليدية مركزية بقرارات من المالك أو المدير العام. | 13 |
تستهدف اغلاق جولات متتابعة ولاحقا بيع الشركة (استحواذ) أو الطرح العام لجذب استثمارات جديدة. | استراتيجية الخروج | تسعى للحفاظ على استدامة التشغيل وتحقيق أرباح مستقرة على المدى الطويل. | 14 |
علاقة مستمرة مبنية على الشفافية والنمو والتحديث المستم والتواصل المباشر. | العلاقة مع المستثمرين | علاقة محدودة وغالباً تقليدية مع الدائنين أو البنوك. | 15 |
مؤسسون تقنيون أو مدفوعون بشغفهم بالتقنية، يمتلكون خلفية تقنية وابتكارية. | عقلية المؤسس | أصحاب أعمال تقليديون يعتمدون على نماذج أعمال معروفه وهرمية متعارف عليها وليس بالضرورة لديهم خلفية تقنية. | 16 |
هذا التباينات والفروقات الواضحة تتطلب نموذج حوكمة وهيكلة مستقل ومصمم خصيصاً لدورة حياة الشركات التقنية الناشئة. علماً بأن هذا التباين يتجاوز ما ذكر أعلاه إلى التباين في الكوادر المهنية التي تدير هذا الكيان المستقل من حيث المفاهيم والمعرفة وطريقة التعامل والمعالجة.
4 – فجوة الرؤية والبيانات
كنتيجة طبيعية للوضع الحالي المذكور أعلاه تفتقر البيئة حالياً إلى رؤية مركزية مباشرة ودقيقة لمنظومة الشركات التقنية الناشئة. هذا الغياب في البيانات والأرقام والإحصائيات والحقائق يُضعف التخطيط الاستراتيجي، ويغفل التحديات، ويشتت الجهود ويقلل من ثقة المستثمرين، ويحد من فعالية السياسات القائمة حاليا، بجانب أهمية معرفة موقع السعودية من حيث عدد أو حجم قطاع شركات التقنية الناشئة محليا وإقليميا و عالمياً ومن بين ما لا نعرفه من البيانات الهامة على سبيل مثال لا الحصر حالياً أو دورياً:
- حجم منظومة شركات التقنية الناشئة
- نسية المساهمة في الناتج المحلي الاجمالي
- عدد الشركات التقنية الناشئة المحلية والعالمية النشطة في السعودية حالياً
- عدد الشركات التقنية الناشئة النشطة سنوياً وربعياً
- إحصائيات عن الشركات التقنية الناشئة التي أغلقت أو فشلت أو خرجت بصمت سنوياً وربعياً وتحديد الاسباب
- عدد الشركات الخاملة “الزومبي” التي تعمل دون نمو أو ابتكار أو قيمة مضافة
- توزيع شركات التقنية الناشئة في كل قطاع ناشئ
- عدد الشركات ذات الإمكانات العالية للتحول إلى شركات تقنية مليارية “يوني كورن”
- دراسات عن الشركات التي تواجه تحديات تنظيمية أو تمويلية أو في جذب المواهب
- معرفة المواهب المطلوبة ونقاط القصور لدى شركات التقنية الناشئة
- عدم معرفة بشكل دقيق العقبات التي تواجه المؤسسين وشركاتهم التقنية الناشئة
تأكيدا على أهمية هذه التوصية وحاجتنا الماسة لها و هو انه لا يوجد بيانات واجوبه دقيقة ومقنعة على النقاط أعلاه وغيرها من النقاط الهامة للبناء عليها والتي تشغل جميع الممارسين والمختصين والمؤسسين في منظومة شركات التقنية الناشئة
غياب آليات التقييم الدوري والمتابعة أدى إلى بقاء عدد من الشركات التقنية الناشئة الخاملة في حالة “زومبي”، حيث تستمر في التواجد دون نمو أو تأثير إيجابي، مما يستهلك الموارد والجهود ويشوّه مؤشرات الأداء القطاعي.
هذه ليست مجرد مشكلة بيانات وأرقام واحصائيات، بل هي فجوة في الحوكمة والتنظيم. فغياب التتبع المنهجي، والتحليل الدقيق ومؤشرات الأداء، والرؤية القطاعية، يمنع التدخل المبكر وتوجيه الموارد وتطوير الحلول، ويُضعف قرارات المستثمرين، ويُعيق المؤسسين عن قياس التقدم. والنتيجة هي منظومة مجزأة ودعم غير متوازن ومدروس.
في ظل غياب إطار تنظيمي واضح ومركز يميز بين نموذج الأعمال التقليدية ونموذج أعمال شركات التقنية الناشئة المبتكرة نتج عنه اختلاط الحابل بالنابل، مما أدى إلى تداخل الصلاحيات وتضارب التوجهات وتذبذب الدعم، وأعاق قدرة الجهات المعنية على اتخاذ قرارات فعالة ومبنية على أسس موضوعية واستراتيجية.
5 – الأثر الاقتصادي والتوظيفي غير المستغل
الشركات التقنية الناشئة ليست مجرد مشاريع ابتكار لبناء ثروة او سمعة او تحقيق احلام، بل هي محركات للنمو الاقتصادي وخلق الوظائف. عالمياً، تُسهم الشركات الناشئة بشكل مباشر في خلق الوظائف الجديدة، وزيادة الإنتاجية، ونمو الصادرات. وفي المملكة:
- تخلق وظائف عالية المهارة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، التقنية المالية، التقنية العميقة ،التقنية الصحية، والأمن السيبراني والبلوكتشين وغيرها من التقنيات الناشئة
- تُحفز الطلب على المواهب التقنية والبنية التحتية الرقمية والخدمات المتقدمة
- تُعزز مكانة المملكة كمركز إقليمي للابتكار وريادة الأعمال التقنية
ومع ذلك، لا يزال أثرها على الناتج المحلي الإجمالي، والتوظيف، والتحول القطاعي غير معروف وواضح وغير مستثمر بالشكل الأمثل.
بدون هيئة متخصصة لقياس هذا الأثر، ودعمه، وتعزيزه، تخاطر المملكة بتجاهل أحد أهم أصولها الاستراتيجية الحالية والمستقبلية
6 – التوصية الاستراتيجية
بناءا على ما تقدم نوصي بإنشاء هيئة وطنية مستقلة للشركات التقنية الناشئة، منفصلة ومستقلة عن “منشآت”، تتمتع بصلاحيات مصممة خصيصاً لتلبية احتياجات هذا القطاع الديناميكي ومجهزة بقيادات مهنية من قطاع شركات التقنية الناشئة. الاسم المقترح:
- الهيئة العامة لشركات التقنية الناشئة (Tech Startups Companies General Authority)
- الاسم التعريفي الإعلامي المقترح: كيانات (KAYANAT)
المهام الأساسية المقترحة للهيئة:
- إعادة التعريف بمصطلح “شركة تقنية ناشئة” كنشاط وقطاع مستقل والتوعية بهيكلته ومدخلاته ومخرجاته واهميته
- تجميع جميع الخدمات والتسهيلات والمساندة لشركات التقنية الناشئة تحت مظلة هيئة واحدة متخصصة في خدمة هذه الشركات ( نافذة موحدة رقمية وميدانية )
- تطوير منصة معلومات وطنية وقاعدة بيانات ذكية لتتبع دورة حياة شركات التقنية الناشئة، واتجاهاتها القطاعية، والأثر الاقتصادي
- تنسيق الجهات الفاعلة في المنظومة وتسريع الترخيص والإجراءات للقطاعات التقنية الناشئة
- الإشراف وتوسيع برامج المسرعات العامة والمتخصصة، بما في ذلك المسرعات المصغّرة ومعسكرات البرمجة في الجامعات، وتنظيم الهاكاثونات والمسابقات الابتكارية وماراثونات البرمجة
- إطلاق برامج تحفيزية مستهدفة، وبيئات تجريبية تنظيمية، ومبادرات دعم المؤسسين وتطويرهم
- دعم التوسع الدولي من خلال البعثات التجارية لمراكز التقنية عالمياً، وبرامج الهبوط الناعم، والشراكات العالمية
- تعزيز تعليم المؤسسين، وزيادة الوعي العام، وتوفير الوصول إلى البيانات المفتوحة
- توسيع ودعم مساحات العمل المشترك بخلق بيئة تفاعلية وتحفيز التعاون بين المؤسسين وتبادل المعرفة
- تنمية شبكات رأس المال الجريء، ومجتمعات المستثمرين الملائكيين و الأفراد، ومواءمة الاستثمارات السيادية
- تطوير برامج المنح والدعم المالي والمسابقات لشركات التقنية الناشئة وزيادة عددها وتوسيع نطاقها الجغرافي
- توفير وتسهيل الحصول على الخدمات والأدوات التقنية اللازمة الداعمة لنشاط شركات التقنية المالية
- تمثيل ودعم شركات التقنية الناشئة عند الجهات الرسمية والحكومية والتعريف بالقطاع وأهميته
- تنظيم الفعاليات والمؤتمرات ذات العلاقة بشركات التقنية الناشئة
- دعم الانتشار والتواجد لأنشطة شركات التقنية الناشئة في جميع مناطق السعودية وبالذات لدى الجامعات
7 – ضرورة استراتيجية
الشركات التقنية الناشئة تحتاج إلى دعم وتعامل مختلف , دعم وتفاعل يعكس سرعتها، وطموحها، وتعقيدها وابتكاراتها. إنشاء هيئة مستقلة (كيانات) ليس ازدواجية أو تكراراً للجهود، بل هو ضرورة استراتيجية حيث ستُسهم هذه الهيئة في:
- ترسيخ ثقافة الابتكار والإبداع في جميع المراحل التعلمية بالذات في الجامعات وما بعدها
- تعزيز الثقة لدى المؤسسين الحاليين واللاحقين بوجود هيئة متخصصة في نشاطاتهم وداعمة لابتكاراتهم التقنية وتتكلم لغتهم
- تسريع التحول الرقمي والاقتصاد الرقمي لتحقيق رؤية 2030
- خلق وظائف عالية القيمة ومواهب جاهزة للمستقبل المنظور
- تحفيز الأجيال الناشئة على الانخراط في المسار التقني دراسياً ومهنياً
- تمكين المملكة من أن تصبح رائدة إقليمياً وعالمياً في النمو القائم على التكنولوجيا
الوقت المناسب هو الآن. الفرصة واضحة. والهيكل التنظيمي يجب أن يتطور ويواكب الزخم التقني المتسارع في السعودية. المملكة أمام فرصة تاريخية لقيادة الابتكار التقني في المنطقة، لكن هذه الفرصة لن تستثمر بالكامل إلا بوجود هيئة وطنية مستقلة و متخصصة، ذات رؤية وسياسات واضحة، وصلاحيات مرنة، وقياداتها من قلب المنظومة التقنية نفسها.
8 – أمثلة دولية ناجحة لهيئات ومؤسسات حكومية مستقلة ومتخصصة في دعم الشركات التقنية الناشئة
كوريا الجنوبية – هيئة دعم للشركات التقنية الناشئة
أدى تأسيس هيئة دعم للشركات الناشئة إلى مضاعفة عدد الشركات التقنية المصدّرة خلال 4 سنوات.
ألمانيا –High-Tech Gründerfonds Program
هيئة حكومية متخصصة تقدم تمويلاً أولياً ورأس مال مخاطرة للشركات التقنية الناشئة. منذ تأسيسها عام 2005، دعمت أكثر من 600 شركة، مما ساهم في تعزيز الاقتصاد الرقمي ورفع معدلات الابتكار.
كندا – Startup Visa Programوالهيئات المختصة
برنامج تأشيرة لجذب رواد الأعمال الأجانب، مع دعم حكومي متكامل يشمل التمويل والتدريب. أسهم في تنشيط قطاع التقنية وزيادة الاستثمار الأجنبي في مدن رئيسية مثل تورونتو وفانكوفر.
سنغافورة –Enterprise Singapore Authority
توفر الدعم التقني والتمويلي والتصديري للشركات التقنية الناشئة، مع منظومة متكاملة من المسرعات. أدت هذه المبادرات إلى نمو مستدام في عدد الشركات والاستثمار ورأس المال الجريء، وتطوير مراكز ابتكار إقليمية.
الهند –Program Startup India
برنامج حكومي شامل يبسط الإجراءات ويوفر إعفاءات ضريبية وتمويل ميسر. نتج عنه إنشاء أكثر من 50,000 شركة تقنية ناشئة جديدة، وتعزيز فرص التوظيف والابتكار، وتحسن ملحوظ في ترتيب الهند في مؤشرات ريادة الأعمال العالمية.
إستونياe-Residency Program –
طورت بيئة رقمية متكاملة للشركات التقنية الناشئة جذبت شركات من 170 دولة.
الخاتمة
نختم بالتنويه وعدم اغفال بأن الشركات التقنية الناشئة تختلف كلياً في طبيعتها وسرعة نموها المعروفة ونماذج عملها الرشيقة حسب ما ذكر اعلاه عن منظومة شركات التقنية العميقة (Deep Tech) التي تُشكّل فئة مختلفة تمامًا في عالم التقنية الواسع والمتسارع . فالشركات التقنية الناشئة التي تطرقنا اليها اعلاه غالبًا ما تبني نماذج أعمالها على توظيف تقنيات وبرمجيات موجودة بأساليب جديدة أو عبر حلول رقمية مبسطة لمشاكل قائمة ، أما شركات التقنية العميقة فهي قائمة على اكتشافات علمية أصيلة وابتكارات هندسية متطورة وبراءات اختراعات مرتكزة على البحث والتطوير (R&D). وهذا يجعل دورة تطويرها أطول بكثير، إذ تتطلب سنوات من البحث والتجارب والتطوير قبل الوصول إلى منتج جاهز للسوق، كما تحتاج إلى كوادر متخصصة من العلماء والمهندسين والباحثين ، إضافة إلى بنية تحتية متقدمة من مختبرات ومراكز أبحاث وشبكات تعاون علمي وعملي.
ومن الناحية المالية، فإن استثمارات التقنية العميقة تتسم بكثافة رأس المال وطول فترة الاسترداد والعائد؛ فهي لا تشبه الشركات التقنية الناشئة العادية التي قد تنطلق بتمويل أولي محدود وتنمو عبر جولات استثمارية متتابعة. بل تحتاج التقنية العميقة منذ البداية إلى رؤوس أموال صبورة وكبيرة، وإلى مستثمرين يدركون أن تحقيق العوائد قد يستغرق عقدًا أو أكثر. هذا المزيج من المخاطرة التقنية العالية وأفق العوائد الطويل يخلق فجوة تمويلية لا يمكن سدها عبر آليات رأس المال الجريء التقليدية وحدها بل بتكاتف وثيق بين القطاع الخاص كلاعب رئيسي والجهات الحكومية كداعم أساسي.
لهذا السبب، لا يمكن التعامل مع شركات التقنية العميقة كجزء من منظومة الشركات التقنية الناشئة ؛ بل هي بحاجة ملحة إلى إطار مؤسسي خاص بها، وسلطة أو هيئة متخصصة ومستقلة لدعم بعض المبادرات الخجولة والمتواضعة في هذا الاتجاه الاستراتيجي القادرة على توفير قنوات تمويل موجهة، ومنح طويلة الأجل للبحث والتطوير، وشراكات مع الجامعات والقطاعات الصناعية والهندسية، إلى جانب أنظمة وتشريعات وسياسات داعمة. ومن خلال بناء هذا النظام المتخصص، يمكن للتقنية العميقة أن تزدهر في مجالات عديدة وخلق أسواق جديدة كليا مثل الذكاء الاصطناعي، والتقنية الحيوية، والمواد المتقدمة والروبوتات، وتقنية النانو والطاقةالنظيفة، و تقنية الفضاء والحوسبة الكمّية، لتضع الاقتصاد السعودي في موقع ريادة علمية وصناعية، لا يقتصر على التحول الرقمي الذي تقوده رؤية 2030 فحسب بل يمتد إلى قيادة مستقبل الابتكار عالميًا وتموضع استراتيجي متقدم جدا للمملكة العربية السعودية في عالم التقنية.