الشركات الناشئة

أسطورة ملك الغابة

منذ أن كنا أطفالًا، اعتدنا سماع عبارة “الأسد ملك الغابة” ودائما ما اعتبرناها حقيقة ثابتة ولم نحاول التشكيك في صحتها. ولكن عندما كبرنا قليلًا، اكتشفنا أن الأسود لا تعيش في الغابات الكثيفة بل في الأماكن المفتوحة مثل السافانا مما دفعنا للتساؤل، لماذا تم تعليمنا هذه الفكرة الخاطئة؟ حسنًا، وصف الأسد هنا كـ “ملك الغابة” ما هو الا تعبيرٌ مجازي يتعلق بما يمثله الأسد أكثر مما يتعلق بمكان عيشه. باختصار، هي طريقة للقول أن الأسد في موطنه، هو الأقوى والأكثر نفوذًا.

على الرغم من هذا التناقض، فإن هذا التعبير المجاز يعلمنا درسًا مهمًا في القيادة. فهو ينبهنا لحقيقة أن القيادة الحقيقية لا تبنى على الألقاب أو المناصب، بل ترتكز على القوة، التأثير، والاحترام الذي تكسبه من الآخرين. لذلك، حتى لو لم يعكس الاسم مكان عيش الأسد، فإنه يحمل معنى أعمق بكثير.

هذا التعبير المجاز يعلمنا شيئًا مهمًا عن القيادة. القيادة الحقيقية لا تقتصر على نيل لقب كبير أو بحصولك على منصب المدير. القيادة الحقيقية تتطلب أن تكون قويًا، مؤثرًا، وقادرًا على نيل احترام الآخرين من حولك. القادة مثل الأسود، لا بسبب مكان تواجدهم، بل لكونهم يتولون القيادة، ويهتمون بفرقهم.

لكي تكون قائدًا حقيقيًا، تحتاج لأن تكون قويًا وقادرًا على اتخاذ القرارات الصحيحة في الأوقات التي تتطلب ذلك. كما أنه من المهم أيضًا أن تهتم بالأشخاص الذين تتولى قيادتهم وتنجح في كسب ولائهم واحترامهم من خلال أفعالك ودعمك الدائم لهم، سواء كنت أنت المدير أم لا.

تظهر تلك العبارة أيضًا أهمية كيفية رؤية الآخرين لك. الأسد يُرى كملك، ليس لأنه الأكبر أو الأسرع، بل بسبب حضوره القوي والاحترام الذي يناله من الحيوانات الأخرى. ينطبق هذا الامر على القادة أيضًا. فجزء كبير من كونك قائدًا جيدًا يكون في كيفية رؤية الآخرين لك، كيفية تمثيلك لمبادئك، وكيفية قيامك بدورك.

فهم المكان الذي تتواجد فيه وفهم الفريق المتواجد فيه أمران مهمان جدًا. فكما يعرف الأسد أن السافانا هي موطنه، يجب على القائد الجيد أن يفهم المكان أو المجموعة التي يقودها وبذل قصارى الجهد لمعرفة ما يحتاجه الفريق من جهة وما يملكه أفراده من نقاط قوة واستغلالها بالشكل الصحيح لصالح العمل وإنجاز المهمات.

حتى لو كانت عبارة “ملك الغابة” ليست صحيحة تمامًا، فإنها لا تزال تعلمنا الكثير عما تعنيه القيادة. القيادة ليست مجرد أن تكون المسؤول. القيادة تتعلق بإظهار القوة، اتخاذ القرارات الذكية، التأثير، رعاية المجموعة، وكسب الاحترام بأفعالك وبمساعدتك للجميع. بالإضافة لذلك، فإن طريقة تقديم نفسك للآخرين مهمة جدا لضمان ثقة الآخرين بك مما يسهل من عملك كقائد.

كونك قائدًا جيدًا يعني أنك قد تحتاج لتغيير طريقة عملك في بعض الأحيان، والتأكد من فهمك لكل ما يحدث من حولك، ووضع خطط تضمن عمل الجميع بشكل أفضل. تتعلق القيادة بفعل الأشياء بطريقة تجعل الناس يرغبون في الاستماع إليك ومتابعتك. تمامًا مثل الأسد الذي لم يُسمَ ملكًا بسبب مكان عيشه، بل بسبب شجاعته وذكائه وحسن قيادته.

كونك قائدًا عظيمًا يتعلق برسم الطريق للآخرين عبر أفعالك، والتواجد دومًا من أجل مجموعتك، والظهور كشخص موثوق ومحترم، تمامًا مثل الأسد.

في الختام، أود أن اتطرق لحقيقة مخفية أخرى عن الأسود. سبق وأن تحدثنا عن الأسد كرمز للقوة والقيادة، ولكن في عالم تلك المخلوقات الرائعة، تعتبر اللبوات، أو إناث الأسود، هي من تدير العرض في جماعاتها. نعم، اللبوات! يقمن بالصيد، يتخذن القرارات الاستراتيجية للجماعة، ويحافظن على النظام. لذلك، حتى لو كنا نسمي الأسد الذكر “ملك الغابة”، في الحقيقة، هو ليس الملك حتى في بيته! اللبوات هن من يعلمننا ما تعنيه القيادة حقًا. يظهر هذا الامر أن القادة الحقيقيين هم أحيانًا من يعملون بجد خلف الكواليس، وليس أولئك الذين يملكون الصوت الأعلى.

خذ على سبيل المثال، المهاتما غاندي. لم يحمل غاندي لقبًا رسميًا للسلطة، لكن تعاطفه، صموده، وقدرته على التكيف أكسبته الاحترام والتأثير في جميع أنحاء العالم. قاد بالمثال، موجهاً الملايين بقوة هادئة وتفاني لا يتزعزع.

في النهاية، كونك قائدًا عظيمًا يتعلق بتوجيه الطريق، تمامًا مثل اللبوات، مما يثبت أنك لا تحتاج إلى أن تكون الأعلى صوتًا في المكان أو أن تحمل اللقب الكبير لتكون المسؤول. القيادة الحقيقية تتعلق بالتأثير، العمل الجاد، وإحداث فرق، بغض النظر عن اللقب الذي تحمله.

فكر في أسلوب قيادتك اليوم. هل تقود مثل اللبوات، بقوة هادئة وتفاني لا يتزعزع؟ أم أنك تركز على الألقاب والمناصب؟ تذكر، القيادة الحقيقية تتعلق بإحداث تأثير ذي معنى، بغض النظر عن اللقب الذي تحمله.

فراس ابو السعود

تطوير فريق العمل: سر النجاح الأبدي

أخصائي نظم هندسة البترول بخبرة تزيد عن 21 عامًا في هذا المجال. وهو حاصل على درجة بكالوريوس في الهندسة الكيميائية وشهادة الماجستير في هندسة وإدارة التشييد من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. إلى جانب خبرته التقنية، فهو مهتم بالتصوير الفوتوغرافي والتصميم الجرافيكي والذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى