الشركات الناشئة

في مدرسة رمضان

شهر رمضان يزودنا بعدة مهارات نحتاجها لنكون قادة عظماء

يحتل شهر رمضان مكانة فريدة في قلوب المسلمين في جميع أنحاء العالم ويسعد الجميع بقدومه لما له من قيمة روحية فهو شهر الصيام والعبادات واللحظات العائلية الثمينة. ولكن ومن خلال تأملي لهذا الشهر الكريم وجماله جالت أفكاري خلاله ووجدت فيه ابعادًا أعمق تتجاوز الطقوس التقليدية وبالنظر لهذا الشهر الفضيل من منظور مختلف قليلا، وجدته يكشف عن كونه مدرسة لصقل القادة المستقبليين. ومن المثير للدهشة كيف لهذا الشهر الفضيل أن يساهم في تطويرنا لنكون قادة مميزين.

أبرز ما ألهمني كان هو ذلك الانضباط الذاتي يطبع يومياتنا في شهر رمضان. قد تبدو فكرة التوقف عن الأكل أو الشرب منذ شروق الشمس وحتى غروبها صعبةّ بعض الشيء ولكن وبالنظر من حولنا خلال شهر رمضان نرى كيف يواصل الصغير والكبير السير على هذا الدرب بثبات الأمر الذي يزرع فينا نوعًا من ضبط النفس وهي خصلة ثمينة يتطلبها كل قائد. إنها كالتمرين لسباق الماراثون، حيث تقودنا خطواتنا الهادئة والمتأنية إلى خط النهاية متوجين بالنجاح، لنكتشف حينها قوتنا الداخلية التي تشجعنا على التغلب على كافة التحديات.

لتحقيق أقصى استفادة من هذا الأمر، قم بتحديد أهداف واضحة لتطوير قدراتنا القيادية والشخصية في بداية شهر رمضان. فكر يوميًا في تصرفاتك وقراراتك، وفكر في الاحتفاظ بمذكرة لمراقبة التقدم وتدوين الأفكار.

شيء آخر لفت انتباهي هو أننا عندما نشعر بألم الجوع، نبدأ في تكوين إحساس حقيقي بما يعنيه الأمر بالنسبة لأولئك الذين ليس لديهم ما يكفي من الطعام. فتنمو بذلك قدرتنا على التعاطف بشكل كبير خلال هذا الوقت. يحتاج القادة إلى مثل هذا التعاطف لفهم الأشخاص الذين يقودونهم. بالإضافة إلى ذلك، يشجعنا رمضان على مساعدة الآخرين من خلال الزكاة، ويذكرنا هذا بأن كوننا قادة يعني أيضًا رفع من هم حولنا معنا في رحلة النجاح.

يعد شهر رمضان فرصة مثالية للانخراط في خدمة المجتمع. سواء كان ذلك من خلال الفعاليات الرمضانية أو الأعمال الخيرية الاجتماعية في الأحياء. الانخراط بأنشطة الخدمة الاجتماعية تعزز جودة القيادة المتمثلة في الاهتمام بالآخرين في المقام الأول.

هل سبق وأن لاحظت يومًا كيف تكون أفكارك أكثر صفاءً في شهر رمضان؟ تمثل تلك اللحظات الهادئة، ربما قبل الإفطار أو أثناء الصلاة، اوقاتًا مثالية للتأمل العميق وهي فرصة عظيمة للتفكير في المستقبل، ليس فقط مستقبل حياتك الشخصية بل وحتى حياتك المهنية أو الدراسية أيضًا. أفضل القادة هم أولئك الذين يخصصون بعض الوقت للتفكير والتفكر، ثم يشقون طريقهم قدمًا بوضوح واستراتيجية. يمنحنا شهر رمضان فرصة للتدرب على مثل هذا الأمر، ويعلمنا التوقف والتفكير وبعدها المضي قدمًا لتحقيق أهدافنا.

يعتبر الحفاظ على مستويات الطاقة اليومية أثناء الصيام، أحد التحديات التي تواجهنا ويساعد تحقيق التوازن بين وجبات السحور والإفطار مع العناصر الغذائية المتوازنة في الحفاظ على طاقتنا طوال اليوم. كما أن العثور على لحظات للراحة القصيرة أو القيلولة يمكن أن يكون أمرًا منعشًا بشكل لا يصدق.

يعلمنا شهر رمضان أن نفكر على المدى الطويل. يتطلب الصيام من شروق الشمس إلى غروبها كل يوم لمدة شهر كامل الشيء الكثير من الصبر. يعد الصبر صفة مهمة يجب توافرها لدى أي شخص يتولى منصبًا قياديًا. سواء كان الأمر يتعلق بقيادة فريق خلال مشروع مليء بالتحديات أو مطاردة الأحلام الخاصة، فإن القدرة على الالتزام به، حتى عندما تصبح الأمور صعبة، هو ما يصنع الفارق. يعلمنا شهر رمضان أن الأشياء الجيدة تأتي لأولئك الذين ينتظرون (أثناء العمل الجاد بالطبع).

عندما نفكر في شهر رمضان، سنتفق جميعًا على أن هناك شيئًا واحدًا يشتهر به وهو قدرته على جمع الناس معًا. إن وجبات الإفطار مع العائلة والأصدقاء لا تتعلق فقط بالطعام بل تتعدى ذلك لربط أواصر المجتمع. فعندما نتشارك الطعام ونساعد في الطهي ونصلي مع الجماعة، فإن ذلك يقوي شعورنا بالانتماء والعمل الجماعي. دعونا لا نغفل عن حقيقة أنه لا يمكن لأي قائد أن يصنع النجاح بمفرده. أن تكون قادرًا على التعاون كجزء من فريق، وإلهام الآخرين والحصول على الإلهام في المقابل، هذا هو ما تبدو عليه القيادة الحقيقية.

في النهاية، بينما نركز جميعًا على الصيام والصلاة وقضاء الأوقات الجميلة مع أحبائنا، فإن شهر رمضان يزودنا بعدة مهارات نحتاجها لنكون قادة عظماء. من الانضباط الذاتي والتعاطف إلى التفكير والصبر والعمل الجماعي والجزء الأفضل هو أن هذه المهارات لا تجعلنا قادة أفضل فحسب بل تجعلنا أشخاصًا أفضل أيضًا.

أعلم أن توقيت هذا المقال تأخر بعض الشي حيث لم يتبقى إلا أيام قليلة وينتهي شهر رمضان ولكن بإمكاننا أن نجعل من كل شهر، شهر رمضان آخر، فلنتفكر في هذه الدروس ونطبقها ونتعلم منهم، وجعلها عادة نحملها معنا حتى بعد انتهاء الشهر. ولا نعلم فقد يكون القائد الملهم القادم يقرأ هذا المقال الآن.

فراس ابو السعود

أخصائي نظم هندسة البترول بخبرة تزيد عن 21 عامًا في هذا المجال. وهو حاصل على درجة بكالوريوس في الهندسة الكيميائية وشهادة الماجستير في هندسة وإدارة التشييد من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. إلى جانب خبرته التقنية، فهو مهتم بالتصوير الفوتوغرافي والتصميم الجرافيكي والذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى