الشركات الناشئة

في عملك، هل أنت سمكة أم دجاجة؟

منذ بضع سنوات، شاركني أحد الزملاء الذين أكن لهم احترامًا خاصًا مقارنة عميقة حول ديناميكيات بيئة العمل وقد ظلت عالقة في ذهني منذ ذلك الحين. تحدث زميلي فيها عن نوعين من الموظفين: أولئك الذين يشابهون السمكة التي تضع مئات البيضات بهدوء تحت الماء، وأولئك الذين يشابهون الدجاجة التي تضع بيضة واحدة فقط ولكن تُعلم بصراخها كل سكان المزرعة بذلك الأمر. تلك الفكرة تطفو على بالي من حين لآخر، خاصة عندما ألتقي بأشخاص من الممكن تصنيفهم ضمن أحد هذين النقيضين.

بالنظر للجانب الأول نرى هناك تلك الأسماك الصامتة التين تعمل بجد واجتهاد خلف الكواليس، جهودهم غير مرئية تمامًا كما هو بيض الأسماك تحت الماء. يأملون في أن يتحدث عملهم عن نفسه ويتجنبون الأضواء متناسين (أو أحيانًا جاهلين) أن هذا الأمر قد يتسبب بعدم ظهور ثمار عملهم للعيان. من بين هذا النوع، مجموعة معينة أود ان الفت الانتباه اليها بشكل أكبر وهم أولئك الذين يقللون من شأن مساهماتهم، بانين اعتقادهم هذا على مدى سهولة المهام التي يؤدونها -من وجهة نظرهم- الأمر الذي يجعلهم يعتقدون أن انجازاتهم ستكون تافهة بالنسبة للآخرين، مما يجعلهم يسرفون أكثر في الهدوء. هذا التقليل من قيمة انجازاتهم وعلى الرغم من أنه نتيجة لبراعتهم، إلا أنه يجعلهم وبشكل مؤسف لا يحظون بالتقدير الذي يستحقونه حقًا. ويجب الإشارة هنا إلى أن تلك المهام ‘البسيطة’، التي تم إنجازها اعتمادًا على سنوات طويلة من الخبرة والمهارة قد تكون معقدة بشكل كبير بالنسبة للآخرين. يتوجب على تلك الأسماك الصامتة أن تدرك أن خبرتهم العميقة تلك، بعيدة كل البعد عن كونها روتينية فما قد يبدو عاديًا و”جزءًا من الوظيفة” بالنسبة لهم، قد يكون مهارة استثنائية بالنسبة لزملائهم.

في الجانب الآخر يتواجد الدجاج الصياح، دائمًا مستعدون للإعلان عن إنجازاتهم كبيرة كانت أم صغيرة لضمان لفت الانتباه. قد لا تكون انجازاتهم مثل انجازات الأسماك، لكنهم مميزون في ضمان الحصول على التقدير. يتأكدون من أنهم سيتلقون نوعًا من التكريم حتى وإن كان لشيء لا يذكر بل أنهم أحيانًا يسطون على جهود الأسماك الصامتة وينسبون تلك الاعمال التي لم يعلن عنها أصحابها لأنفسهم. تدفعهم هذه الرغبة المستمرة في الظهور، المدفوعة بالأفكار الخاطئة التي تشعرهم بأن قيمتهم تقاس فقط بمدى ظهورهم وبقدر الثناء الذي يتلقونه، إلى التقليل أحيانًا من شأن مساهمات زملائهم الصامتين.

يعد معالجة هذا الموضوع أمر ضروريًا لتعزيز بيئة العمل وجعلها صحية والتأكد من فهم الدجاج الصياح لحقيقة أن التقدير ليس معركة يتوجب أن ينتصر فيها أحد الجانبين. هناك دائمًا مساحة للاحتفال بإنجازات الجميع. كما يحتاج الدجاج الصياح إلى فهم حقيقة أن النجاح والتأثير الحقيقيين غالبًا ما يأتيان نتيجة لرفعك الآخرين معك أثناء عملية الصعود وليس من الصعود فوق ظهور الآخرين. يتعلق الأمر هنا بمشاركة الأضواء وتقدير مساهمات الآخرين. هذا التغيير في وجهة النظر لا يقوي ادوارهم داخل الفريق فحسب، ولكنه يسهم أيضًا في تقوية ديناميكية الفريق بشكل عام.

تلك الحكمة التي شاركها زميلي، سلطت الضوء على أهمية كلا النوعين من الموظفين. فمن جهة فإن الجهد المتواصل الذي تبذله الأسماك الصامتة يحافظ على إبقاء المحرك يعمل في أماكن عملنا، ومن جهة اخرى يضفي الدجاج الصياح طاقة حيوية ورؤية واضحة. من الممكن أن يسهم الاعتراف بمساهمات النوعين وتقديرهما في اثراء بيئة العمل. كما يمكن أن يساعد تشجيع الأسماك الصامتة على الخروج إلى النور عبر من خلال تقديم تقارير وافية عن اعمالها في مساعدتها في الحصول على التقدير الذي تستحقه. وفي الوقت نفسه، يمكن أن يتعلم الدجاج الصياح حقيقة أن التواجد في مركز الضوء ليس ضروريًا دائمًا فالتقدير الحقيقي يأتي من المساهمة الفعالة.

يعد دور الإدارة في توازن العمل الهادئ للأسماك الصامتة مع نجاحات الدجاج الصياح محوري جدًا. فمن خلال تقدير كافة أنواع المساهمات، فإنهم يعززون ثقافة الفريق التي يشعر الجميع من خلالها بالدعم. من المهم أن يساعد القادة أولئك الأشخاص الهادئين وحثهم على مشاركة انجازاتهم حتى يرى الجميع تأثير عملهم على الأداء العام. لا يعزز هذا الأمر مسيراتهم الوظيفية فحسب بل إنه يرتقي أيضًا بإبداعات وكفاءة الفريق بأكمله. إن تعزيز ثقافة الاحتفال الجماعي بالإنجازات والاعتراف بجهود الجميع على قدم المساواة يضمن أن يكون النجاح رحلة مشتركة، وليس سباقًا فرديًا.

سواء كنت تصنف نفسك كسمكة أو كدجاجة في مكان عملك، أو قد تجد نفسك في مكان ما بينهما، فإن الهدف الأسمى هو تحقيق الانسجام. تشجيع الأسماك الصامتة على مشاركة نجاحاتهم والدجاج الصياح على تقدير الجهود الهادئة للآخرين يثري بيئة عملنا. لا يتعلق الأمر فقط بأساليب عملنا الفردية بل يتجاوز ذلك الى تعزيز ثقافة التقدير والاعتراف بالإسهامات المختلفة التي نبذلها لتحقيق أهدافنا المشتركة.

يظهر لنا التأمل في هذه المقارنة قيمة كل مساهمة سواء كانت صامتة أو صاخبة. يجب علينا جميعًا أن نسعى لصنع بيئة عمل تنجح من خلالها كل من الأسماك الصامتة والدجاج الصياح مع تقدير كل نوع منهما للآخر ومحاولة التعلم منه. وهذه دعوة لكل الأسماك الصامتة لتذكر جهودكم الحاسمة والتي غالبًا ما تؤدي إلى إنجازات كبيرة. ودعوة أخرى للدجاج الصياح للتفكر في أهمية مشاركة الأضواء وإبراز عمل الفريق. بالتعاون فقط تتحقق الأهداف المشتركة.

وختامًا فلا يتعلق الأمر فقط بأساليب عملنا الفردية بل يتجاوزها لتعزيز ثقافة التقدير والاعتراف بالطرق المختلفة التي نساهم بها في تحقيق أهدافنا المشتركة. دعونا نعمل لخلق بيئة عمل يتم فيها الاعتراف بكل “بيضة“، مرئية كانت أم لا مخفية.

فراس ابو السعود

أخصائي نظم هندسة البترول بخبرة تزيد عن 21 عامًا في هذا المجال. وهو حاصل على درجة بكالوريوس في الهندسة الكيميائية وشهادة الماجستير في هندسة وإدارة التشييد من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. إلى جانب خبرته التقنية، فهو مهتم بالتصوير الفوتوغرافي والتصميم الجرافيكي والذكاء الاصطناعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى